منذ الطفولة، كنا نسمع أن كلية الطب هي "القمة" التي لا يبلغها إلا النابغون. كل طالب متفوق كان يُنظر إليه على أنه مشروع طبيب ناجح، وكل أسرة كانت تحلم أن يُزفّ اسم ابنها يومًا بـ "الدكتور".
![]() |
ليه كلية الطب البشري مبقتش أفضل كلية في مصر |
لكنني - وأنا لست طالبًا في كلية الطب - بدأت ألاحظ مؤخرًا أن الأمور تغيّرت. لدي أصدقاء كُثر في كليات الطب، وجميعهم تقريبًا يشكون من الواقع الذي لم يكن بالحسبان.
من هنا بدأت أطرح سؤالًا أظنه أصبح في أذهان الكثيرين وهو: لماذا لم تعد كلية الطب البشري هي أفضل كلية في مصر؟
وهذا المقال ليس إلا محاولة لعرض الواقع كما هو واستعراض بعض الشهادات والمقارنات دون تحامل أو تهويل، بل كمساحة مفتوحة للنقاش.
هل ما زالت كلية الطب البشري تضمن مستقبلًا مشرقًا في مصر؟
في البداية، دعونا نواجه الحقيقة:
الالتحاق بكلية الطب في مصر لم يعد قرارًا سهلًا من الناحية المادية.
تكلفة الكتب، الأجهزة، المستلزمات، الدورات، إلى جانب مصاريف المعيشة، جعلت من الكلية عبئًا لا تحتمله كثير من الأسر المتوسطة أو البسيطة.
بل إن بعض الطلاب اضطروا للعمل أثناء الدراسة لمجرد الاستمرار، مما أثّر سلبًا على تحصيلهم العلمي.
أحد طلاب كلية الطب بجامعة القاهرة قال لي:
أهلي بيصرفوا عليّا فوق طاقتهم، ورغم كده مش قادر أعيش زي أي طالب طبيعي، كل حاجة في الكلية محتاجة مصاريف مش طبيعية.
هل التعيين الحكومي بعد كلية الطب ما زال ميزة حقيقية؟
قديماً، كان يُقال: ادخل طب علشان تتعين على طول!
لكن هذه الميزة لم تعد كما كانت.
![]() |
مستقبل كلية الطب |
فالحقيقة أن مستقبل كلية الطب ليس كما يظن الجميع، حيث أن التعيين يتم غالبًا في وظيفة حكومية براتب يقل عن 7,000 جنيه شهريًا، رغم أن الطبيب درس لأكثر من 7 سنوات!
هذا الرقم لا يكفي للمعيشة، فضلًا عن بناء مستقبل أو تكوين أسرة.
طالبة طب حديثة التخرج قالت لي:
أنا بشتغل 8 ساعات يوميًا وبرجع تعبانة جدًا، ومش قادرة أصدق إني كنت فاكرة إني هكون ناجحة ومستريحة بعد التخرج.
هل التجنيد الإجباري يقتل أحلام خريجي الطب في مصر؟
الخريج الذي يبدأ حياته بعد سن الخامسة والعشرين، يُفاجأ بأنه مطلوب للتجنيد كـ "ضابط احتياطي" لمدة 3 سنوات، براتب زهيد جدًا، ثم يخرج من الجيش ليجد نفسه في عمر الثلاثين، بلا مسكن، بلا عيادة، وبلا بداية حقيقية.
أحد أصدقائي قال لي بحزن:
قعدت أذاكر وأحلم سبع سنين، وبعد كده ثلاث سنين جيش، دلوقتي عمري 29 سنة ولسه ما بدأتش حياتي من أصله!
مقارنة: ماذا يحصل طلاب الطب في دول أخرى شبيهة بمصر؟
![]() |
طلاب الطب في دول أخرى شبيهة بمصر |
- في تركيا مثلًا، يحصل الطالب على دعم مالي من الدولة طوال سنوات دراسته، إضافة إلى فرص تدريب ممتازة.
- وفي الأردن، رغم أن التكاليف مرتفعة، إلا أن الطبيب يتخرج ويجد أمامه فرصًا جيدة في المستشفيات الخاصة والخارجية.
- أما في المغرب، فالنقابات تدعم الخريجين في فتح عيادات خاصة من أول سنة، مع تسهيلات حكومية.
بينما في مصر، يواجه الطالب واقعًا مليئًا بالبيروقراطية، والانتظار، والأجور المتدنية.
صديق لي سافر ليدرس الطب في تركيا قال:
الحياة هنا مختلفة تمامًا، الحكومة بتساعد، والدراسة فيها نظام وفرص، وأنت بتتخرج عندك خطة واضحة مش محتاجة 10 سنين إضافية.
رأيي الشخصي... ولماذا أكتب هذا المقال؟
أكرر أنني لست طالبًا في كلية الطب، ولكن لدي أصدقاء مقربون يعانون من واقع هذه الكلية بكل تفاصيله.
هذا المقال مجرد محاولة لفهم وتحليل هذا التراجع في الصورة الذهنية لأفضل كلية كانت دومًا حلمًا و مستقبل كلية الطب في مصر.
أدعوك عزيزي القارئ أن تشارك رأيك أنت أيضًا في هذه المساحة المفتوحة بالتعليقات.
هل ما زالت كلية الطب تضمن وظيفة في مصر؟
نعم، لكنها وظيفة براتب ضعيف وظروف غير مشجعة.
كم تبلغ مدة دراسة الطب في مصر؟
7 سنوات تقريبًا (5 سنوات دراسة + سنتين امتياز).
هل الأطباء في مصر يفضلون الهجرة؟
نعم، تشير تقارير إلى أن أكثر من 60% من خريجي الطب في مصر يسعون للسفر بسبب ضعف الرواتب وسوء ظروف العمل.
هل التجنيد يؤثر على مستقبل خريجي الطب؟
نعم بشدة، حيث يؤخر بدء الحياة المهنية لعدة سنوات.
لماذا لم تعد كلية الطب البشري هي أفضل كلية في مصر؟
لأن الواقع لم يعد كما كان، والأحلام لم تعد تكفي وحدها، فالكفاءة والتميز وحب المهنة أمور لا تكفي إن لم تجد البيئة التي تحتضنها وتدعمها.
فهل حان الوقت لنُعيد النظر في اختياراتنا؟ وهل ما زالت كلية الطب "الحلم" الحقيقي لأبناء هذا الجيل؟